إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله. أما بعد .... فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار، وبعد . : فإن الله عز وجل ما خلق الخلق إلا ليقوموا بعبوديته، فقال سبحانه : "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" الذاريات {56}. ولا يقبل من العبد سعيه وعبادته إلا إذا تحقق فيه شرطان: الإخلاص لله تعالى فيه ، وكون العمل صالحاً موافقاً لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: " َمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً" الكهف 110"
ولذا كان مدار سعادة العبد فى الدارين - الدنيا والآخرة - على معرفة الحق من الباطل، وإيثار هذا الحق على ذلك الباطل، وهما تحصيل العلم النافع، ثم إتباعه بالعمل الصالح على مقتضى هذا العلم. وإن الناظر فى موقعنا المعاصر بعين بصيرته، يجد المرأة مستهدفة من أعداء الإسلام، حتى غدت المرأة حائرة بين هداية الإسلام وغواية الإعلام، بل إن قطاعاً هائلاً من الفتيات تنشأ فى مخدعها لا تلقن القرآن، ولا تعرف أحكام الإسلام، فأكثرهن - إلا من رحم الله - لا تعرف أحكام الطهارة التى لا تصح صلاتها إلا بها، بل ولا تعرف أحكام الصلاة التى هى عمود الإسلام وركنه الأعظم بعد الشهادتين، وهكذا فى سائر العبادات والمعاملات.
هذا، مع غياب القدوة من النساء، وضعف الهمم فى القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بضوابطه الشرعية، مع شيوع الفساد، وطغيان الملهيات والشهوات.
من أجل هذا، كانت المرأة أحوج إلى التذكير والتعليم من الرجال، وتطلب الأمر أن تُخَصَّ المرأة بقدرِ من التصانيف النافعة لها، الدالة لها على العلم النافع، الحاثَّة لها على العمل الصالح، ومما يدفع إلى توفر الهمة على التصنيف فى أحكام المرأة: شغف كثير من الفتيات - رغم انتشار الفساد وغواية الإعلام - بقراءة الكتب الدينية والمواقع الإسلامية والتدوينات المبنية على أساس الكتاب والسنة!! .
ولا غَرْوَ زلا غرابة، فإن فطرة الإيمان، وحب الدين، لا تزال جذوته مدفونة فى القلوب، يعلوها غبار الغفلة، فما أن يُزَال هذا الغبار، حتى تضيء جذوة الإيمان فى القلب، فيصمر هذا انتشار نور الانقياد فى جميع البدن، فلا تسمع المؤمنة بسنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سارعت للاستجابة له والتأسى به فيها.
كان هذا مما دفعني إلى أن أجمع للأخوات المؤمنات مصنفاً يكون مرجعاً لهن فى الأحكام الفقهية التى يكثر تساؤلهن حولها، وتكثر حاجتهن إليها.
هذا، ولم أقتصر فى هذا التصنيف على الأحكام التى تختص بالمرأة فقط دون الرجل، بل أوردت كذلك الأحكام التى يشترك فيها النساء والرجال، وربما اختصت المرأة فيها ببعض الجزئيات، فإن القاعدة التى بنيت عليها هذا الكتاب، هى قول النبى صلى الله عليه وسلم: "النساء شقائق الرجال" رواه أبو داوود والترمذى وأحمد، وسنده حسن لغيره. فكل حكم للرجال يشمل النساء غلا ما دل الدليل على اختصاصه بالرجال، أو على أن للنساء فيه حكماً خاصاً، وقد احتوي هذا الكتاب - بفضل الله - هذين النوعين، بالإضافة إلى ما هو خاص بالنساء دون الرجال.
وقد التزمت في بحث جميع مواضيعه، أن نكون وراء نصوص الشريعة من الكتاب والسنة، أسمع منها وأصغى إليها، وأفهم منها مرادها، فلا أسبقها بقول، ولا أقول ما لم تقل، ولا أحملها ما لا تحتمل، ولا أطوعها على ما تشتهى النفس أو يشتهى الناس.
وكيف لا أفعل ؟! والكتابة فى أحكام شرع الله دين يحاسَب المرء عليه، فهو توقيع عن الله ورسوله، وقد أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يُحَلَّ له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان.
وقد حاولت فى عرض المسائل أن تكون بأسلوب يلائم الأخوات فى هذا العصر، فيسرت العبارة، ووضحت المسائل قدر إمكاني، مع المحافظة على العمق الفقهى لها، ومراعاة ضوابطها من الجهة التأصيلية، فاكتفيت بذكر الدليل من الكتاب والسنة، فى كل مسألة، وابتعدت - فى أغلب الأحيان - عن إيراد الخلاف ، فيها اكتفاء بالراجح من جهة الدليل، فإن ذلك لا يرشح بكبير فائدة على جمهرة النساء، وربما أنوِّه إلا الخلاف فى بعض المسائل - وهذا نذر قليل - لأغراض تعرفها طالبة العلم المتميزة، كأن أريد بهذا بيان أن فى المسألة قولاً آخر غير الذى رجحته وكأن يكون القول المرجوح هو المشهور عند عوام الناس، فأشير إليه قبل أن تتعجل الأخت المسلمة - التى ليس لها كبير اطلاع - بالتخطئة للراجح ، إلى غير ذلك من الأغراض.
هذا، ولست أدعى أننى جمعت كل ما يتعلق بالمرأة من أحكام، ولكننى جمعت طرفاً كبيراً مما تحتاج إليه فى كثير من الأبواب، ولعله أن ييسر لى أن أزيد عليه فى طبعة أخرى - إن شاء الله تعالى. ولست أدعى كذلك لنفسى العصمة، فقد أبى الله أن تكون العصمة إلا لكتابه، فما كان فى كتابى هذا من صواب فمن الله وحده، وما كان من خطأ فمن نفسى ومن الشيطان، والله ورسوله من بريئان. وأسال الله أن ينفع بهذا العمل الأخوات المؤمنات، وأن يتقبله مني بقبول حسن، وينفعني به يوم ألقاه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وهو ولي ذلك والقادر عليه، وهو المستعان وعليه التكلان. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وخطه بيمينه الفقير إلى عفو ربه المالك : كمال بن السيد سالم .... أبو مالك. مقدمة كتاب : فقه السنة للنساء - الذى سنجمع منه فى هذه المدونة بإذن الله ما شاء الله لنا أن نجمع - . نسأل الله أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم . اللهم آمين.