العقيدة هى: مجموعة من قضايا الحق البدهية المُسَلَّمَة بالعقل، والسمع، والفطرة
يعقد عليها الإنسان قلبه، ويثنى عليها صدره جازما بصحتها، قاطعا بوجودها وثبوتها،
لا يرى خلافها أنه يصح أو يكون أبدا. وذلك كاعتقاد الإنسان بوجود خالقه،
وعلمه به، وقدرته عليه، ولقائه به بعد موته ونهاية حياته، دعوى استغناء الإنسان عن العقيدة دعوى باطلة، يكذبها الواقع، ويبطلها تاريخ
البشرية الطويل؛ إذ واقع البشرية شاهد على أن الإنسان حيثما كان، وفى أى ظرف وجد؛
وعلى اختلاف أحواله، وتباين ظروفه لا يخلو من عقيدة أبدا، وسواء كانت تلك العقيدة
حقا أو باطلا، صحيحة أو فاسدة حتى أولئك الذين يدعون اليوم أن العلم قد أغنى عن
العقيدة وعن التدين، وأن الإنسان فى عصر الذرة، وغزو الفضاء لم يصبح إلى الإيمان
بالله تعالى، وبالغوا فى الكفر والإنكار حتى قالوا: إن الإله لم يخلق الإنسان
،
وإنما الإنسان هو الذى خلق الإله(1)، وهم يريدون بذلك أن الإنسان فى الظروف الصعبة
التى كان يعيشها، والمخاوف تتشابه من كل ما حوله من مظاهر الكون؛ إذ هو يخاف
المرض، ويخاف الفقر، ويخاف الرعد والبرق، والفيضان والسيول، والعواصف والزلازل،
وحتى الحيوانات، اضطر لأجل ذلك إلى الإيمان بقوة غيبية ذات قدرة لا تعجز، وسلطان
لا يُغلب ولا يُقهر، سماها إلهاً يفزع إليه عند الشدائد، ويتقرب إليه بالعبادات،
ليدفع عنه الشرور، ويقيه من المهالك، لهذا قالوا: إن الإنسان هو الذى خلق الإله،
وليس الإله هو الذى خلق الإنسان، وهو قول مضحك، وجهل فاضح، وكفر صريح، وكذب ممقوت،
ومغالطة مكشوفة، وسخف عقول لا حد له !!!!
وجه ضرورة الدين للإنسان
ومجازاته إياه على كسبه
الاختيارى، وعلمه غير الاضطرارى. وكاعتقاده بوجوب طاعته فيما بلغه من أوامره
ونواهيه من طريق كتبه ورسله طاعة تزكو بها نفسه، ، وتتهذب بها مشاعره، وتكمل بها
أخلاقه، وتتنظم بها علاقته بين الخلق والحياة. وكاعتقاده بغنى ربه تعالى،
وافتقاره هو إليه، وفى كل شأنه حتى فى أنفاسه التى يرددها، فبالله تعالى حياته،
وعليه وحده توكله واعتماده، إذ هو محط رجائه إذا طمع، ومأمن خوفه إذا خاف، بحبه
يحب، وببغضه يبغض. هو مولاه الذى لا مولى له غيره، ومعبوده الذى لا معبود له
سواه، لا يرى ربوبية غيره، ولا يعتقد ألوهية سواه.
حاجة الإنسان إلى العقيدة
وتحرير هذه القضية
الفاسدة: هو أنهم إن كانوا يعنون بالإله الذى خلقه هو إله الوثنين
الذين اتخذوا أصناماً آلهة، نحتوها بأيديهم، فنعم. هذه الآلهة خلقها الإنسان،
وليست هى التى خلقت الإنسان. وأما إن كانوا يعنون بالإله الذى خلق الإنسان، الله
الذى خلق السماوات والأرض وما فيها، وما بينهما، وخلق الإنسان، وكرمه فأنزل عليه
كتبه، وبعث إليه رسله، وعرفه بنفسه وبشرائعه التى بها يتم كماله، وتتحقق سعادته،
فقولهم مغالطة، وجهل، وسخف، وكذب؛ إذ الإنسان لم يخلق حتى نفسه فضلاً عن أن يخلق
غيره، فكيف بالله خالق كل شيء وربه ومليكه. سبحان الله وتعالى عما يصفون.
إن ادعائهم استغناء الإنسان
اليوم عن الإيمان بالله تعالى، لأنه عرف الطبيعة، واكتشف أسرار الكون، فما أصبح
يخاف المرض، ولا الفقر، ولا الفياضانات، ولا الزلازل، والجوائح، ولا العاهات،
ادعاء باطل لا وزن له، ولا قيمة أبداً(2)؛ إذ الإنسان ما زال يخاف من كل هذه،
وجميع وسائله التى يملكها ليدفع بها عن نفسه لم تؤمنه بعد، ولن تؤمنه أبداً، وكيف؟
والآلام التى يعانيها الإنسان اليوم جسمانياً تزداد يوماُ بعد يوم، وفى كل أنحاء
الوجود البشرى، فوباء الكوليرا، وأمراض السرطان، والبرص، والصرع، وغيرها ما زالت
تفتك بالآلاف من الناس، وفى كل سنة، والمجاعات تهدد مناطق شائعة من العالم،
والفياضانات تجرف كل سنة القرى العديدة، وتقتل وتشرد الآلاف من الناس، والزلزال من
الحين إلى الحين يدمر المدن والقرى، ويودى بحياة الآلاف من البشر، ولم يستطع
الإنسان الكافر بالله، والذى يدعى أنه خلق الإله، لم يستطع أن ينجو من هذه الويلات
فضلاً عن أن يضع له حداً، أو يوقف وجودها. بل ازدادت مصائب الإنسان ومحنه، وعظم
الخطب واشتد عليه لما كفر بربه، ودينه، فأصبح فى تمزق شخصى، وهبووط نفسى، وسقوط
خلقى، كاد يفقد معها طعم حياته ولذة وجوده، لقد غاض ماء الحياة من وجهه فأصبح
صفيقاً،عربيداُ، فاحشاً، متفحشاً، وغار معين الكرامة الآدمية فيه فصار لا غيرة له
ولا شهامة ولا كرامة، ولا مروءة. ألِفَ الكذب، والغدر، والخيانة، وتعود الجريمة
ومرد(3) على النفاق، والتضليل، والخداع فساءت المجتمعات البشرية وهبطت فيه الحياة
إلى أبعد حدود الهبوط والسقوط، حتى صاح العقلاء منددين بالكفر والإلحاد، مطالبين
بالرجعة إلى الدين والإيمان، بل حتى كبار الملاحدة قد نكثوا على رؤوسهم، وقالوا فى
وضوح: لا غنى عن الدين، وطالبوا علماء النفس والاجتماع بأن يضعوا لهم ديناً، ولكن
بدون الإيمان بالله وذلك لأن الله يأمر بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذى القربى، وينهى
عن الفحشاء، والمنكر، والبغى(4)، وهم لا يريدون عدلاُ، ولا معروفاً، ولا إحساناً،
كما لا يريدون أن يتخلوا عن الظلم، ولا عن الفحش، والمنكر. ولذا فهم يريدون ديناً
صناعياً يهذب نفس الإنسان، ويكمل أخلاقه، وبدون ذكر الله فيه، ولا ذكر أمره تعالى
أو نهيه: وهيهات هيهات أن ينفع دين صناعى فى تقويم الأخلاق، وإصلاح النفوس وتهذيب
المشاعر، إن القوم مغرورون، مخدوعون، جهال، ضالون، مضللون، لعنهم الله فأصمهم
وأعمى أبصارهم.
والقصد من إيراد هذا الذى
ذكرناه، هو تقرير حقيقة علمية ثابتة بكل القوانين العقلية، والشرعية، وهى أن
الإنسان دائماً فى حاجة إلى الإيمان، والتدين، والعقيدة، وأن الدين ضرورة من
ضرورات حياته، وحاجة من حاجات نفسه، فلا غنى له عن الإيمان بربه، وعن عبادته بحال
من الأحوال. ومن هنا لم تخلُ أمة وجدت على وجه الأرض ومنذ عهد الإنسان بالحياة من
عقيدة ودين(5) ، ومصداق ذلك قوله تعالى: {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا
خلَا فِيهَا نَذِيرٌ }فاطر24.
والمردا من النذير نبى، أو
رسول، أو عالم وارث لعلم النبوة ينذر تلك الأمة عاقبة الكفر بالله وبكتبه، ورسله،
وشرائعه، ويحذرها من نتائج الشرك بربها، والمعصية له، ولرسله وما يتبع ذلك من
انحراف السلوك بالظلم والشر والفساد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : هذه العبارة القذرة من
قاموس الشيوعية الماركسية عدوة الإنسان.
(2) : ادعاء باطل خبر إن
الموجود فى أول الكلام وما بينهما اعتراض فليُنتبَه له.
(3) : مرد : أى أقام عليه ول
يتب منه، ولج فيه وأبى غيره.
(4) : هذه مقتبس من الآية (90)
فى سورة النحل.
(5) : قال بازماك المؤرخ
الإغريقى مقرراً الحقيقة التى قررناها وذكرها القرآن الكريم، قال: قد وُجِدت فى
التاريخ مدن بلا حصون ولا قصور وبلا سدود ولا قناطر، ولكن لم توجد مدن بلا معابد.
وجه ضرورة الدين للإنسان
: الإنسان منذ أن وُجِدَ على هذه الأرض بهبوط أبيه الأول آدم، وأمه حواء
عليهما السلام من الجنة دار السلام، وهو فى حاجة ماسة وملحة أيضاً إلى قوانين
ضابطة تُعَدِّلُ من غرائزه، وتنظم سلوكه، وتحدد اتجاهاته، وتهيئه للكمال الذى خلق
مستعدا له فى كلتا حياته: الأول هذه التى يقضيها قصيرة على هذه الأرضَ، والثانية التى تتم له فى عالم غير هذا
العالم الأرضى الهابط، وإنما فى عالم الطهر والصفاء، فى الملكوت الأعلى كما أخبر
بذلك ربه بواسطة كتبه التى أنزلها، وأنبيائه الذين أرسلهم.
غير أن تلك القوانين المطلوبة
لتعديل غرائزه، وتنظيم سلوكه، وتحديد اتجاهاته فى الحياة، لا توجد _ وهيهات هيهات
أن توجد فى تشريع غير ربانى، أو سماوى لا دخل لأهل الأرض في وضعه وشرعه، إذ لا
يعرف الإنسان بعواطفه وأشواقه، ولواعج نفسه، وبأفكاره، وآماله، ومتطلعاته، ولا
يقوى على توفيته مطلوبه من ذلك كله إلا اللهُ خالقه. فهو – إذاً – وحده الذى يحق
له أن يضع له من القوانين، والشرائع، والأديان ما يكمله به ويعده للكمال والسعادة
الأبدية الخالدة.
ولذا كان الدين ضروريا للإنسان
بوضعه الخاص يأكل ويشرب، ويتوقى الحر والبرد، وعليه أن يعمل لإعداد ذلك لنفسه
فيوجِد بالسنن التى وضعها ربُّه طعامه وشرابه، ولباسه، ودواءه، وسكنه ومركوبه.
وهذه حال تدعو إلى تعاون أفراده لتوفير ما به تقوم حياتهم، وتستمر إلى نهاية أجلها
المسمى.